فصل: مطلب فِي جَوَازِ الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **


 مطلب فِي جَوَازِ الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ

وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ وَأَخْذِ الْجُعْلِ عَلَيْهَا كَذَاك الرُّقَى إلَّا بِآيٍ وَمَا رُوِيَ فَتَعْلِيقُ ذَا حِلٌّ كَكَتْبٍ لولد ‏(‏كَذَاك‏)‏ أَيْ فِي الْكَرَاهَةِ قَبْلَ حُصُولِ الدَّاءِ وَعَدَمِهَا بَعْدَهُ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ مَذْهَبًا وَخِلَافًا ‏(‏الرُّقَى‏)‏ جَمْعُ رُقْيَةٍ ‏,‏ وَالْفِعْلُ مِنْهُ رَقَى يَرْقِي ‏,‏ وَهُوَ التَّعْوِيذُ كَمَا فِي الْمَطَالِعِ ‏,‏ وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ الرُّقَى جَمْعٌ مُفْرَدُهُ رُقْيَةٌ ‏,‏ وَهِيَ الْعَزَائِمُ فَتُكْرَهُ ‏(‏إلَّا بِآيٍ‏)‏ جَمْعُ آيَةٍ وَتُجْمَعُ عَلَى آيَاتٍ أَيْضًا ‏,‏ وَهِيَ لُغَةُ الْعَلَامَةِ ‏,‏ وَالْمُرَادُ هُنَا آيُ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَهِيَ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ إلَى انْقِطَاعِهِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى نُبُوَّةِ مَنْ جَاءَ بِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَوْنِهَا عَلَامَةً عَلَى صِدْقِهِ إذْ لَيْسَ فِي طَوْقِ الْبَشَرِ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهَا ‏,‏ فَلَا تُكْرَهُ الرُّقَى بِآيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ‏(‏وَ‏)‏ إلَّا ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ شَيْءٍ أَوْ الَّذِي ‏(‏رُوِيَ‏)‏ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ‏(‏فَ‏)‏ الرُّقَى بِذَلِكَ حَلَالٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَ ‏(‏تَعْلِيقُ ذَا‏)‏ يَعْنِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ وَالسُّنَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّوَسُّلِ إلَيْهِ بِسَعَةِ كَرَمِهِ وَعَفْوِهِ وَحِلْمِهِ ‏(‏حِلٌّ‏)‏ أَيْ حَلَالٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ ‏(‏كَ‏)‏ حِلِّ ‏(‏كَتْبٍ‏)‏ حَمْلًا وَشُرْبًا ‏(‏لولد‏)‏ جَمْعُ وَالِدَةٍ فَلَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ وَمَا وَرَدَ وَالتَّعْوِيذِ بِهِ وَتَعْلِيقِهِ ‏.‏

نَعَمْ يُكْرَهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ ‏,‏ وَقَدْ رَقَى بَعْضُ الصَّحَابَةِ سَيِّدَ ذَلِكَ الْحَيِّ لَمَّا لُدِغَ بِالْفَاتِحَةِ فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَأَلَهُ وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ وَكَانُوا قَدْ جَعَلُوا لَهُ جُعْلًا لَمَّا رَقَى ثَلَاثِينَ مِنْ الْغَنَمِ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ فِي الرُّقْيَةِ لِهَذَا الْخَبَرِ الصَّحِيحِ ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُعَلِّقُ عَلَى مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ بَنِيهِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينَ وَأَنْ يَحْضُرُونَ ‏,‏ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُمْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ الْفَزَعِ ‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ لِلْحُمَّى وَالنَّمْلَةِ ‏,‏ وَالْحَيَّةِ ‏,‏ وَالْعَقْرَبِ وَالصُّدَاعِ ‏,‏ وَالْعَيْنِ مَا يَجُوزُ وَيُرْقَى مِنْ ذَلِكَ بِقُرْآنٍ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ دُعَاءٍ وَذِكْرٍ وَيُكْرَهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا ‏.‏

 مطلب يُحَرَّمُ الرُّقَى وَالتَّعَوُّذُ بِطَلْسَمٍ

وَعَزِيمَةٍ وَيُحَرَّمُ الرُّقَى وَالتَّعَوُّذُ بِطَلْسَمٍ وَعَزِيمَةٍ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ‏:‏ قَالَ الْمَأْمُونُ ‏,‏ وَهُوَ صَاحِبُ الرُّمْحِ الْمَيْمُونِ‏:‏ لَوْ صَحَّ الْكِيمْيَاءُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْخَرَاجِ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ الطَّلْسَمُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْأَجْنَادِ وَالْحَرَسِ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّتْ النُّجُومُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْبَرِيدِ ‏.‏

فَائِدَةٌ فِيمَا يُكْتَبُ لِلْمَرْأَةِ إذَا عَسُرَ عَلَيْهَا الْوَلَدُ ‏(‏فَائِدَةٌ‏)‏ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه‏:‏ يُكْتَبُ لِلْمَرْأَةِ إذَا عَسُرَ عَلَيْهَا الْوَلَدُ فِي جَامٍ أَوْ شَيْءٍ نَظِيفٍ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ ‏,‏ ثُمَّ تُسْقَى مِنْهُ وَيُنْضَحُ مَا بَقِيَ عَلَى صَدْرِهَا ‏,‏ رَوَى أَحْمَدُ رضي الله عنه هَذَا الْكَلَامَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَرَفَعَ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ‏.‏

وَفِي كِتَابِ الْمُجَالَسَةِ لِلدِّينَوَرِيِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ مَرَّ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليه السلام بِبَقَرٍ قَدْ اعْتَرَضَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَتْ‏:‏ يَا كَلِمَةَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي فَقَالَ‏:‏ يَا خَالِقَ النَّفْسِ مِنْ النَّفْسِ وَمُخْرِجَ النَّفْسِ مِنْ النَّفْسِ خَلِّصْهَا فَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا قَالَ‏:‏ فَإِذَا عَسُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا فَلْيُكْتَبْ لَهَا هَذَا ‏,‏ وَذَكَرَ التَّتَائِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ مَنْ كَتَبَ هَذَا الْبَيْتَ وَعَلَّقَهُ عَلَى مَنْ تَعَسَّرَتْ فِي وِلَادَتِهَا وَضَعَتْ فِي الْحَالِ ‏,‏ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْمَجَامِيعِ يُعَلَّقُ عَلَى فَخْذِهَا الْأَيْسَرِ وَهَذِهِ صِفَةُ وَضْعِ الْبَيْتِ‏:‏ ‏{‏إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ‏}

 مطلب فِيمَا يُكْتَبُ لِلْحُمَّى

وَالْوَحْشَةِ ‏(‏تَتِمَّةٌ‏)‏ فِي أَشْيَاءَ تُكْتَبُ لِأَشْيَاءَ مِنْهَا مَا كَتَبَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه لِلْحُمَّى قَالَ الْمَرْوَذِيُّ‏:‏ كَتَبَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْحُمَّى‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وِإِسْرَافِيلَ اشْفِ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِك وَقُوَّتِك وَجَبَرُوتِك إلَهَ الْحَقِّ آمِينَ ‏.‏

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه أَنَّ يُونُسَ بْنَ حِبَّانَ كَانَ يَكْتُبُ هَذَا مِنْ حُمَّى الرِّبْعِ ‏.‏

وَمِمَّا يُكْتَبُ لِلْوَحْشَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً شَكَتْ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا مُسْتَوْحِشَةٌ فِي بَيْتٍ وَحْدَهَا فَكَتَبَ لَهَا رُقْعَةً بِخَطِّهِ بِسْمِ اللَّهِ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ‏,‏ والمعوذتين وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ ‏,‏ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي الرَّجُلِ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ فِي إنَاءٍ ‏,‏ ثُمَّ يَسْقِيه لِلْمَرِيضِ قَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ ‏,‏ وَقَالَ صَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ رضي الله عنهما‏:‏ رُبَّمَا اعْتَلَلْت ‏,‏ فَيَأْخُذُ أَبِي قَدَحًا فِيهِ مَاءٌ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لِي‏:‏ اشْرَبْ مِنْهُ ‏,‏ وَاغْسِلْ وَجْهَك وَيَدَيْك ‏.‏

 مطلب فِيمَا يُرْقَى بِهِ الْمَلْدُوغُ مِنْ الْعَقْرَبِ

وَغَيْرِهَا وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إذْ سَجَدَ فَلَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فِي إصْبَعِهِ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ مَا يَدَعُ نَبِيًّا وَلَا غَيْرَهُ قَالَ‏:‏ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَمِلْحٌ فَجَعَلَ يَضَعُ مَوْضِعَ اللَّدْغَةِ مِنْ الْمَاءِ ‏,‏ وَالْمِلْحِ وَيَقْرَأُ‏:‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏,‏ والمعوذتين ‏.‏

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ لَدَغَتْ رَجُلًا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْقِيه قَالَ‏:‏ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ جَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ ‏,‏ وَإِنَّك نَهَيْت عَنْ الرُّقَى فَقَالَ‏:‏ اعْرِضُوا عَلَيَّ رقياكم لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ ‏.‏

وَمِنْ الرُّقَى الْمُجَرَّبَةِ النَّافِعَةِ أَنْ يَسْأَلَ الرَّاقِي الْمَلْدُوغَ عَنْ مَكَانِ اللَّدْغَةِ مِنْ الْعُضْوِ فَيَضَعُ عَلَى أَعْلَاهُ حَدِيدَةً وَيَقْرَأُ الْعَزِيمَةَ وَيُكَرِّرُهَا ‏,‏ وَهُوَ يُجَرِّدُ مَوْضِعَ الْأَلَمِ بِالْحَدِيدَةِ حَتَّى يُنْهَى وَيُكَرَّ السُّمَّ إلَى أَسْفَلِ الْوَجَعِ ‏,‏ فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي أَسْفَلِهِ جَعَلَ يَمُصُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ حَتَّى يَذْهَبَ جَمِيعُ ذَلِكَ الْأَلَمِ وَلَا اعْتِبَارَ بِفُتُورِ الْعُضْوِ بَعْدَ ذَلِكَ ‏.‏

وَهَذِهِ الْعَزِيمَةُ ‏(‏سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ‏.‏

وَعَلَى مُحَمَّدٍ فِي الْمُرْسَلِينَ ‏.‏

مِنْ حَامِلَاتِ السُّمِّ أَجْمَعِينَ لَا دَابَّةٌ بَيْنَ السَّمَوَاتِ ‏,‏ وَالْأَرْضِ إلَّا رَبِّي آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا أَجْمَعِينَ ‏,‏ كَذَلِكَ يَجْزِي عِبَادَهُ الْمُحْسِنِينَ ‏.‏

إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ نُوحٌ نُوحٌ قَالَ لَكُمْ نُوحٌ مَنْ ذَكَرَنِي لَا تَأْكُلُوهُ إنَّ رَبِّي بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏.‏

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ‏)‏ ‏.‏

وَفِي رِحْلَةِ الْإِمَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ رُقْيَةُ الْعَقْرَبِ قَالَ‏:‏ ذَكَرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُرْقَى بِهَا فَلَا تَلْدَغُهُ عَقْرَبٌ ‏,‏ وَإِنْ أَخَذَهَا بِيَدِهِ لَا تَلْدَغُهُ ‏,‏ وَإِنْ لَدَغَتْهُ لَا تَضُرُّهُ ‏,‏ وَهِيَ هَذِهِ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ بِاسْمِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ كازم كازم زَيَّنَ آدَمُ فنيزا إلَى مزن يشامر يشامر اهودا اهودا هِيَ ولمظا أَنَا الرَّاقِي وَاَللَّهُ الشَّافِي ‏.‏

 مطلب فِيمَا يُقَالُ لِلْحِفْظِ مِنْ الْعَقْرَبِ

وَالْحَيَّةِ وَيَدِ السَّارِقِ وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ‏,‏ مَنْ قَالَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوَّلِ النَّهَارِ‏:‏ عَقَدْت زُبَانَى الْعَقْرَبِ وَلِسَانَ الْحَيَّةِ وَيَدَ السَّارِقِ يَقُولُ‏:‏ أَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَمِنَ مِنْ الْعَقْرَبِ ‏,‏ وَالْحَيَّةِ وَالسَّارِقِ ‏.‏

وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيت مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ فَقَالَ‏:‏ أَمَا إنَّك لَوْ قُلْت حِينَ أَمْسَيْت‏:‏ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏.‏

وَفِي كَامِلِ ابْنِ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ وَهْبِ بْنِ رَاشِدٍ الراقي أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ بِلَالٌ ‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ‏:‏ مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِيَ‏:‏ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تَضُرَّهُ حَيَّةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَالَ شُمَيْلٌ فَكَانَ أَهْلُنَا يَقُولُونَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ‏,‏ فَلُدِغَتْ جَارِيَةٌ مِنْهُمْ ‏,‏ فَلَمْ تَجِدْ لَهَا وَجَعًا ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَلِمَاتُ اللَّهِ الْقُرْآنُ ‏,‏ وَمَعْنَى تَمَامِهَا أَنْ لَا يَدْخُلَهَا نَقْصٌ وَلَا عَيْبٌ كَمَا يَدْخُلُ كَلَامَ النَّاسِ وَقِيلَ‏:‏ هِيَ النَّافِعَاتُ الْكَافِيَاتُ الشَّافِيَاتُ مِنْ كُلِّ مَا يُتَعَوَّذُ بِهِ ‏.‏

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ‏,‏ وَإِنَّمَا سَمَّاهَا تَامَّةً ‏;‏ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِهِ عَيْبٌ وَلَا نَقْصٌ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ ‏.‏

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ وَبَلَغَنِي عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ‏,‏ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي‏:‏ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ‏,‏ لَمْ تَلْدَغْهُ عَقْرَبٌ ‏,‏ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ‏:‏ إنَّ مِمَّا أُخِذَ عَلَى الْعَقْرَبِ أَنْ لَا تَضُرَّ أَحَدًا قَالَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ‏:‏ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَيَّةَ ‏,‏ وَالْعَقْرَبَ أَتَيَا نُوحًا فَقَالَا‏:‏ احْمِلْنَا فَقَالَ نُوحٌ‏:‏ لَا أَحْمِلُكُمَا فَأَنْتُمَا سَبَبُ الضَّرَرِ وَالْبَلَاءِ فَقَالَا‏:‏ احْمِلْنَا وَنَحْنُ نَضْمَنُ لَك أَنْ لَا نَضُرَّ أَحَدًا ذَكَرَك ‏,‏ فَمَنْ قَرَأَ حِينَ يَخَافُ مَضَرَّتَهُمَا‏:‏ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ مَا ضَرَّتَاهُ ‏.‏

فَائِدَةٌ فِيمَا يُكْتَبُ لِلْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ مَنْ كَانَ هَارِبًا مِنْ عَدُوِّهِ فَلْيَكْتُبْ بِسَوْطِهِ بَيْنَ أُذُنِي دَابَّتِهِ ‏{‏لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى‏}‏ آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْخَوْفِ ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قوله تعالى ‏{‏وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ‏}‏‏:‏ الْمَعْنَى اُضْمُمْ يَدَك إلَى صَدْرِك لِيَذْهَبَ عَنْك الْخَوْفُ ‏.‏

قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ كُلُّ مَنْ فَزِعَ فَضَمَّ جَنَاحَهُ إلَيْهِ ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ‏,‏ وَالْخَوَاصُّ كَثِيرَةٌ ‏,‏ وَالْفَوَائِدُ غَزِيرَةٌ وَكُلُّهَا ‏,‏ أَوْ غَالِبُهَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ‏;‏ لِأَنَّهُ الْحَبْلُ بَيْنَ اللَّهِ وَخَلْقِهِ ‏;‏ وَلِذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ‏:‏ الْأَدْوِيَةُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ وَالرُّقَى أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْأَدْوِيَةِ حَتَّى قَالَ بُقْرَاطُ‏:‏ نِسْبَةُ طِبِّنَا إلَى طِبِّ أَصْحَابِ الْهَيَاكِلِ كَنِسْبَةِ طِبِّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبِّنَا قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ طِبُّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى طِبِّ الْأَنْبِيَاءِ كَطِبِّ الطَّرْقِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى طِبِّهِمْ ‏,‏ وَإِنَّ نِسْبَةَ طِبِّهِمْ إلَى طِبِّ الْأَنْبِيَاءِ كَنِسْبَةِ عُلُومِهِمْ إلَى عُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ ‏;‏ لِأَنَّ طِبَّ الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ قَطْعِيٌّ وَطِبُّهُمْ إمَّا قِيَاسٌ أَوْ تَجْرِبَةٌ ‏,‏ أَوْ وَهْمٌ ‏,‏ أَوْ إلْهَامٌ أَوْ حَدْسٌ ‏,‏ أَوْ مَنَامٌ ‏,‏ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالْوَحْيِ ‏,‏ كَمَا بَيْنَ الْهُدَى وَالْغَيِّ ‏,‏ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ‏.‏

 مطلب فِي جَوَازِ الْوَسْمِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ

وَحَلَّ بِغَيْرِ الْوَجْهِ وَسْمُ بَهَائِمَ وَفِي الْأَشْهَرِ اكْرَهْ جَزَّ ذَيْلٍ مُمَدَّدِ ‏(‏وَحَلَّ‏)‏ أَيْ أُبِيحَ ‏(‏بِ‏)‏ أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ ‏(‏غَيْرِ الْوَجْهِ وَسْمُ‏)‏ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ‏,‏ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَيُّ قَالَ عِيَاضٌ‏:‏ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ بِمُهْمَلَةٍ وَبِمُعْجَمَةٍ ‏,‏ وَبَعْضُهُمْ قَالَ‏:‏ بِمُهْمَلَةٍ فِي الْوَجْهِ وَبِمُعْجَمَةٍ فِي بَقِيَّةِ سَائِرِ الْجَسَدِ ‏(‏بَهَائِمَ‏)‏ جَمْعُ بَهِيمَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ‏;‏ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ ‏,‏ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ حِلَّ الْوَسْمِ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ ‏,‏ وَمَفْهُومُ نِظَامِهِ عَدَمُ الْحِلِّ فِي الْوَجْهِ ‏,‏ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ ‏.‏

وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ لَا يسم فِي الْوَجْهِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِهِ قَالَ جَابِرٌ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ وَعَنْ وَسْمِ الْوَجْهِ ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ مَرَّ عَلَيْهِ بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ وَسَمَهُ ‏.‏

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ لَا أَسِمُهُ إلَّا فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ فَكَوَى عَلَى جَاعِرَتَيْهِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَوَى الْجَاعِرَتَيْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏.‏

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ الْجَاعِرَتَانِ مَوْضِعُ الرَّقْمَتَيْنِ مِنْ اسْتِ الْحِمَارِ ‏,‏ وَهُوَ مَضْرِبُ الْفَرَسِ بِذَنَبِهِ عَلَى فَخْذَيْهِ ‏.‏

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ‏:‏ هُمَا حَرْفَا الْوَرِكَيْنِ الْمُشْرِفَانِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ ‏,‏ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ الْجَاعِرَتَانِ مَوْضِعُ الرَّقْمَتَيْنِ مِنْ اسْتِ الْحِمَارِ وَمَضْرِبُ الْفَرَسِ بِذَنَبِهِ عَلَى فَخْذَيْهِ أَوْ حَرْفَا الْوَرِكَيْنِ الْمُشْرِفَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ ‏,‏ وَقَالَ فِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ‏:‏ قَوْلُهُ فَكَانَ يَسِمُ فِي الْجَاعِرَتَيْنِ رَقْمَتَيْنِ يَكْتَنِفَانِ ذَنَبَ الْحِمَارِ انْتَهَى ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى صَرَّحَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَوْضِعٍ‏:‏ أَنَّ السِّمَةَ فِي الْوَجْهِ مَكْرُوهَةٌ ‏,‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّ السِّمَةَ فِي الْوَجْهِ لَا تَجُوزُ قَالَ ‏,‏ وَهُوَ أَوْلَى انْتَهَى ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ وَغَيْرِهِ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَنْ الْغَنَمِ تُوسَمُ قَالَ‏:‏ تُوسَمُ وَلَا تُعْمَلُ فِي اللَّحْمِ يَعْنِي يُجَزُّ الصُّوفُ ‏,‏ نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ ‏,‏ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ ‏,‏ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة‏:‏ الضَّرْبُ فِي الْوَجْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ قَالَ‏:‏ وَالْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إجْمَاعًا ‏,‏ فَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَوَسْمُهُ حَرَامٌ ‏,‏ وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْبَغَوِيُّ‏:‏ لَا يَجُوزُ ‏,‏ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ‏,‏ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ فَوَسْمُهُ فِي وَجْهِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ‏,‏ وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ فَيُسْتَحَبُّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ ‏,‏ وَالْجِزْيَةِ ‏;‏ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَسَمَهَا فِي آذَانِهَا ‏,‏ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَ لَيْسَتْ مِنْ الْوَجْهِ لِنَهْيِهِ عَنْ وَسْمِ الْوَجْهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏:‏ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا يَعْنِي غَيْرَ نَعَمِ الزَّكَاةِ ‏,‏ وَالْجِزْيَةِ ‏,‏ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ الْوَسْمُ ‏,‏ بَلْ يُكْرَهُ ‏.‏

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَسْمَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي آدَمِيٍّ ‏,‏ أَوْ لَا الْأَوَّلُ حَرَامٌ ‏,‏ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْوَجْهِ ‏,‏ أَوْ لَا ‏,‏ الْأَوَّلُ حَرَامٌ أَيْضًا ‏,‏ وَعَلَى الثَّانِي‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْسُومُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ أَوْ الْجِزْيَةِ ‏,‏ وَمِثْلُهَا فَرَسٌ حبيس ‏,‏ وَنَحْوُهَا فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا وَيَجُوزُ فِيمَا عَدَاهَا ‏.‏

هَذَا مَفْهُومُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْآدَابِ ‏,‏ وَالْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ‏:‏ تَحْرِيمُ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ ‏,‏ وَهُوَ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ حُرْمَةً قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ لَا يَجُوزُ الْوَسْمُ إلَّا لِمُدَاوَاةٍ ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ يُحَرَّمُ لِقَصْدِ الْمُثْلَةِ وَيَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ‏,‏ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْوَسْمُ مُسْتَحَبًّا ‏,‏ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ الْجَوَازُ وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِبَيَانِ الْجَوَازِ لَا الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي حُكْم جَزِّ ذَيْلِ الْخَيْلِ

‏(‏وَفِي‏)‏ الْقَوْلِ ‏(‏الْأَشْهَرِ‏)‏ مِنْ غَيْرِهِ ‏(‏اكْرَهْ‏)‏ أَيْ اعْتَقِدْ كَرَاهَةَ ‏(‏جَزِّ‏)‏ أَيْ قَطْعِ شَعْرِ ‏(‏ذَيْلٍ‏)‏ أَيْ ذَنَبٍ ‏(‏مُمَدَّدٍ‏)‏ أَيْ طَوِيلٍ يُقَالُ‏:‏ جَزَّ الشَّعْرَ جَزًّا وَجَزَّهُ فَهُوَ مَجْزُوزٌ وجزيز أَيْ قَطَعَهُ كاجتزه ‏.‏

وَأَشْعَرَ نِظَامُهُ رحمه الله تعالى بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلٍ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ ‏,‏ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى ‏,‏ وَهَلْ يُكْرَهُ جَزُّ ذَنَبِهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ‏:‏ نَقَلَ مُهَنَّا الْكَرَاهَةَ ‏,‏ ذَكَرَهَا صَاحِبُ النَّظْمِ ‏,‏ وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ قَالَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ‏:‏ إنَّمَا رُخِّصَ فِي جَزِّ الْأَذْنَابِ ‏,‏ فَأَمَّا الْأَعْرَافُ فَلَا ‏,‏ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يَعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ ‏,‏ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ‏:‏ وَهِيَ متجهة ‏,‏ وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ حَذْفِ الْخَيْلِ فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ أَبْهَى وَأَجْوَدَ لَهُ قُلْت‏:‏ إنَّهُ يَنْفَعُهُ فِي الشِّتَاءِ ‏,‏ وَهُوَ أَجْوَدُ لِرَكْضِهِ فَكَأَنَّهُ سَهَّلَ فِيهِ ‏,‏ وَقَالَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَكْرَهُونَ حَذْفَ الْخَيْلِ وَنَتْفَ أَذْنَابِهَا وَجَزَّ نَوَاصِيهَا ‏.‏

قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ حَذَفَهُ يَحْذِفُهُ أَسْقَطَهُ وَمِنْ شَعْرِهِ أَخَذَهُ وَحَذَّفَهُ تَحْذِيفًا هَيَّأَهُ وَصَنَعَهُ ‏,‏ فَالْمُرَادُ هُنَا بِحَذْفِ الْخَيْلِ أَخْذُ شَعْرِهَا ‏.‏

 مطلب يُكْرَهُ جَزُّ أَعْرَافِ الْخَيْلِ

كَمَعْرَفَةٍ حَتْمًا لِإِضْرَارِهَا بِهِ لِقَطْعِك مَا تَدْرَأُ بِهِ لِلْمُنَكِّدِ ‏(‏كَ‏)‏ مَا يُكْرَهُ جَزُّ شَعْرِ ‏(‏مَعْرَفَةٍ‏)‏ كَمَرْحَلَةٍ مَوْضِعُ الْعَرْفِ مِنْ الْفَرَسِ ‏,‏ وَهُوَ شَعْرُ عُنُقِهَا وَتُضَمُّ رَاؤُهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ‏,‏ وَإِنَّمَا جُعِلَ جَزُّ شَعْرِ الْمَعْرَفَةِ أَصْلًا وَقَاسَ جَزَّ الذَّيْلِ عَلَيْهِ ‏;‏ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه رَخَّصَ فِي جَزِّ الذَّنَبِ فِي رِوَايَةٍ ‏,‏ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي جَزِّ الْمَعْرَفَةِ قَالَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ‏:‏ إنَّمَا رُخِّصَ فِي جَزِّ الْأَذْنَابِ ‏,‏ فَأَمَّا الْأَعْرَافُ فَلَا ‏,‏ وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جَزِّ أَعْرَافِ الْخَيْلِ وَنَتْفِ أَذْنَابِهَا وَجَزِّ نَوَاصِيهَا ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ أَمَّا أَذْنَابُهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا مَذَابُّهَا ‏,‏ وَأَمَّا أَعْرَافُهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا أَدِفَاؤُهَا ‏,‏ وَأَمَّا نَوَاصِيهَا ‏,‏ فَإِنَّ الْخَيْرَ مَعْقُودٌ فِيهَا ‏.‏

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ نَصْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَنْ عُتْبَةَ فَذَكَرَهُ ‏,‏ وَقَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ‏:‏ قَالَ حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لَا تَقُصُّوا نَوَاصِيَ الْخَيْلِ ‏,‏ فَإِنَّ فِيهَا الْبَرَكَةَ وَلَا تَجُزُّوا أَعْرَافَهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا أَدِفَاؤُهَا وَلَا تَقُصُّوا أَذْنَابَهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا مَذَابُّهَا ‏.‏

فَرِجَالٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ جَمَاعَةٌ يَبْعُدُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ ثِقَةٌ لَا سِيَّمَا ‏,‏ والمتقدمون حَالُهُمْ حَسَنٌ ‏.‏

وَبَاقِي الْإِسْنَادِ جَيِّدٌ ‏,‏ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقَيْنِ ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ‏:‏ كَانَ يُقَالُ‏:‏ لَا تَقُودُوا الْخَيْلَ بِنَوَاصِيهَا فَتُذِلُّوهَا وَلَا تَجُزُّوا أَعْرَافَهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا أَدِفَاؤُهَا وَلَا تَجُزُّوا أَذْنَابَهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا مَذَابُّهَا ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا ‏.‏

 مطلب فِي الْحَثِّ عَلَى اقْتِنَاءِ الْخَيْلِ

وَأَنَّهَا مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ وَصَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏)‏ ‏.‏

وَمَعْنَى عَقْدُ الْخَيْرِ بِنَوَاصِيهَا أَيْ مُلَازَمَتُهُ لَهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا ‏,‏ وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا ‏,‏ وَكَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ يُقَالُ‏:‏ فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ مَيْمُونُ الْغُرَّةِ أَيْ الذَّاتِ ‏,‏ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ السَّكُونِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ إذَالَةِ الْخَيْلِ ‏,‏ وَهُوَ امْتِهَانُهَا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا وَاسْتِعْمَالِهَا ‏,‏ وَأَنْشَدَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ أَحِبُّوا الْخَيْلَ وَاصْطَبِرُوا عَلَيْهَا ‏,‏ فَإِنَّ الْعِزَّ فِيهَا ‏,‏ وَالْجَمَالَا إذَا مَا الْخَيْلُ ضَيَّعَهَا أُنَاسٌ رَبَطْنَاهَا فَأَشْرَكَتْ الْعِيَالَا نُقَاسِمُهَا الْمَعِيشَةَ كُلَّ يَوْمٍ وَنَكْسُوهَا الْبَرَاقِعَ ‏,‏ وَالْجِلَالَا ‏,‏ وَقَالَ الْإِمَامُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه‏:‏ عَلَيْكُمْ بِإِنَاثِ الْخَيْلِ ‏,‏ فَإِنَّ بُطُونَهَا كَنْزٌ وَظُهُورَهَا حِرْزٌ ‏,‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا ‏.‏

 مطلب أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ الْخَيْلَ إسْمَاعِيلُ عليه السلام

وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ارْكَبُوا الْخَيْلَ ‏,‏ فَإِنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيكُمْ إسْمَاعِيلَ ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ إسْمَاعِيلَ عليه السلام أَوَّلُ مَنْ رَكِبَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ ‏;‏ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الْعِرَابُ وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَحْشًا كَسَائِرِ الْوُحُوشِ ‏,‏ فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام بِرَفْعِ الْقَوَاعِدِ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ إنِّي مُعْطِيكُمَا كَنْزًا ادَّخَرْته لَكُمَا ‏,‏ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إلَى إسْمَاعِيلَ‏:‏ أَنْ اُخْرُجْ فَادْعُ بِذَلِكَ الْكَنْزِ ‏,‏ فَخَرَجَ إلَى أَجْيَادٍ ‏,‏ وَكَانَ لَا يَدْرِي مَا الدُّعَاءُ ‏,‏ وَالْكَنْزُ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الدُّعَاءَ ‏,‏ فَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَرَسٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ إلَّا أَجَابَتْهُ وَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَوَاصِيهَا وَتَذَلَّلَتْ لَهُ ‏,‏ وَكَانَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ بَعْدَ النِّسَاءِ مِنْ الْخَيْلِ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه ‏.‏

وَبِالْجُمْلَةِ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ ‏,‏ وَالْآثَارُ الصَّحِيحَةُ فِي الْخَيْلِ وَفَضِيلَتِهَا وَسِبَاقِهَا وَسِيَاسَتِهَا وَفَضِيلَةِ اتِّخَاذِهَا وَبَرَكَتِهَا وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَخِدْمَتِهَا وَمَسْحِ نَوَاصِيهَا ‏,‏ وَالْتِمَاسِ نَسْلِهَا وَنَمَائِهَا وَالنَّهْيِ عَنْ خِصَائِهَا وَجَزِّ نَوَاصِيهَا وَأَذْنَابِهَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ ‏;‏ وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ ‏(‏حَتْمًا‏)‏ أَيْ حَتِّمْهُ حَتْمًا أَيْ اقْضِ بِهِ وَاحْكُمْ أَمْرَهُ وَاجْزِمْ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ ‏,‏ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ حَتْمًا يَعْنِي لِكَوْنِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ مُحَقَّقَةً بِخِلَافِ الذَّيْلِ ‏,‏ فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي ذَلِكَ ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيُكْرَهُ جَزُّ مَعْرَفَةٍ وَنَاصِيَةٍ ‏,‏ وَفِي جَزِّ ذَنَبِهَا رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا يُكْرَهُ لِلْخَبَرِ ‏,‏ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لِإِضْرَارِهَا‏)‏ أَيْ الدَّابَّةِ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ جَزِّ مَعْرَفَتِهَا وَذَيْلِهَا ‏(‏لِقَطْعِك‏)‏ أَنْتَ أَيْ ‏;‏ لِأَنَّك قَطَعْت ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ الشَّعْرَ الَّذِي ‏(‏تَدْرَأُ‏)‏ أَيْ تَدْفَعُ وَتَذُبُّ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ بِذَلِكَ الشَّعْرِ ‏(‏لِلْمُنَكَّدِ‏)‏ أَيْ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُنَكِّدُ عَلَيْهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَدْفَعُهُ بِذَيْلِهَا ‏,‏ فَإِذَا جَزَزْته فَقَدْ آذَيْتهَا بِإِزَالَتِك الَّذِي تَدْفَعُ بِهِ الْمُؤْذِيَ عَنْهَا إذْ هُوَ مِنْ أَقْوَى أَسْلِحَتِهَا وأوقيتها الدَّافِعَةِ عَنْهَا مَا يُؤْلِمُهَا وَيُنَكِّدُ عَلَيْهَا مِنْ الذُّبَابِ وَغَيْرِهِ ‏.‏

وَلِذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام‏:‏ أَمَّا أَذْنَابُهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا مَذَابُّهَا أَيْ الَّتِي تَذُبُّ بِهَا عَنْهَا نَحْوَ الذُّبَابِ ‏,‏ وَأَمَّا أَعْرَافُهَا ‏,‏ فَإِنَّهَا أَدِفَاؤُهَا الَّتِي يَحْصُلُ لَهَا بِهَا الدِّفْءُ وَيُدْفَعُ عَنْهَا بِهَا أَلَمُ الْبَرْدِ ‏.‏

قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدِّفْءُ بِالْكَسْرِ وَيُحَرَّكُ نَقِيضُ حِدَّةِ الْبَرْدِ كَالدَّفَّاءَةِ ‏,‏ وَجَمْعُهُ أدفاء يُقَالُ دَفِيءَ كَفَرِحَ وكرم وَتَدَفَّأَ وَاسْتَدْفَأَ وَأَدْفَأَهُ أَلْبَسَهُ الدِّفَاءَ لِمَا يُدْفِئُهُ

 مطلب فِيمَا يَجُوزُ خِصَاؤُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ

وَفِيمَا سِوَى الْأَغْنَامِ قَدْ كَرِهُوا الْخِصَا لِتَعْذِيبِهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُسْنَدِ ‏(‏وَفِيمَا‏)‏ أَيْ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ فَيُحَرَّمُ كَمَا نُبَيِّنُهُ ‏(‏سِوَى الْأَغْنَامِ‏)‏ جَمْعُ غَنَمٍ ‏,‏ وَهِيَ الشَّاةُ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهِ ‏.‏

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ الْغَنَمُ اسْمٌ يُؤَنَّثُ يُوضَعُ لِلْجِنْسِ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ ‏,‏ وَالْإِنَاثِ ‏,‏ وَإِذَا صَغَّرْتهَا لَحِقَتْهَا الْهَاءُ فَقُلْت غُنَيْمَةٌ ‏;‏ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّينَ ‏,‏ فَالتَّأْنِيثُ لَهَا لَازِمٌ يُقَالُ لَهَا خَمْسٌ مِنْ الْغَنَمِ ذُكُورٌ فَتُؤَنِّثُ الْعَدَدَ ‏,‏ وَإِنْ عَنَيْت الْكِبَاشَ إذَا كَانَ ثَلَاثَةً مِنْ الْغَنَمِ ‏;‏ لِأَنَّ الْعَدَدَ يَجْرِي فِي تَذْكِيرِهِ وَتَأْنِيثِهِ عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَعْنَى ‏,‏ وَالْإِبِلُ كَالْغَنَمِ فِيمَا ذَكَرْنَا ‏(‏قَدْ كَرِهُوا‏)‏ أَيْ مَشَايِخُ الْمَذْهَبِ ‏(‏الْخِصَا لِتَعْذِيبِهِ‏)‏ أَيْ الْمَخْصِيِّ أَيْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ ‏(‏الْمَنْهِيِّ‏)‏ مِنْ حَضْرَةِ الرِّسَالَةِ ‏(‏عَنْهُ‏)‏ أَيْ عَنْ التَّعْذِيبِ ‏(‏بِمُسْنَدِ‏)‏ الْأَخْبَارِ عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏(‏لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ‏)‏ وَفِي رِوَايَةٍ ‏(‏لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا‏)‏ ‏,‏ وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ ‏;‏ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَافٌ لِنَفْسِهِ وَتَضْيِيعٌ لِمَالِيَّتِهِ وَتَفْوِيتٌ لِذَكَاتِهِ إنْ كَانَ يُذَكَّى أَوْ لِمَنْفَعَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ يُذَكَّى بِخِلَافِ الْخِصَاءِ ‏,‏ فَإِنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ فَلَا يُحَرَّمُ وَلِأَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ تَعْذِيبٌ لَهُ ‏,‏ وَهُوَ مُبَاحٌ لِمَصْلَحَةِ الْأَكْلِ وَنَحْوِهَا ‏.‏

نَعَمْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ ‏,‏ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إخْصَاءِ الْخَيْلِ ‏,‏ وَالْبَهَائِمِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ‏:‏ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ‏,‏ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ وَالتَّمْثِيلَ بِهِمْ حَرَامٌ ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا وَيُكْرَهُ خِصَاءُ غَيْرِ غَنَمٍ وَدُيُوكٍ ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ يُبَاحُ خِصَاءُ الْغَنَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ لَحْمِهَا ‏,‏ وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ ‏,‏ وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ رضي الله عنه كَرَاهَةُ الْخِصَاءِ مِنْ غَنَمٍ وَغَيْرِهَا إلَّا خَوْفَ غَضَاضَةٍ قَالَ‏:‏ لَا يُعْجِبُنِي الرَّجُلُ أَنْ يَخْصِيَ شَيْئًا ‏,‏ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ إيلَامِ الْحَيَوَانِ ‏,‏ وَالشَّدْخُ فِي الْخِصَاءِ أَهْوَنُ مِنْ الْجُبِّ ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ لَا يَجُوزُ إخْصَاءُ الْبَهَائِمِ وَلَا كَيُّهَا بِالنَّارِ لِلْوَسْمِ ‏,‏ وَيَجُوزُ لِلْمُدَاوَاةِ حَسْبَمَا أَجَزْنَا فِي حَقِّ النَّاسِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ‏,‏ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ ذَلِكَ وَخَزْمَهَا فِي أَنْفِهَا لِقَصْدِ الْمُثْلَةِ إثْمٌ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ جَازَ قَالَ‏:‏ وَأَمَّا فِعْلُ ذَلِكَ فِي الْآدَمِيِّينَ فَيَحْصُلُ بِهِ الْفِسْقُ ‏.‏

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ الْأَوَّلَ ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ فَعَلَى قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ وَسْمُهَا بِحَالٍ ‏,‏ وَهُوَ ضَعِيفٌ ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُنَاظَرَاتِهِ‏:‏ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الْأَضْرَارِ بِمِثْلِهِ وَلَا جِرَاحِهِ وَلَا كَيِّهِ وَلَا وَسْمِهِ ‏,‏ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ خِصَاءِ الْغَنَمِ وَالدُّيُوكِ وَيُحَرَّمُ فِي الْآدَمِيِّ ‏,‏ وَيُكْرَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ ‏,‏ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحَرَّمُ خِصَاءُ الْآدَمِيِّ وَمِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ ‏,‏ وَكَذَا مَا يُؤْكَلُ فِي كِبَرِهِ لَا فِي صِغَرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي قَطْعِ الْقُرُونِ

وَالْآذَانِ وَشَقِّهَا وَقَطْعُ قُرُونٍ وَالْآذَانِ وَشَقُّهَا بِلَا ضَرَرٍ تَغْيِيرُ خَلْقٍ مُعَوَّدِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏قَطْعُ قُرُونٍ‏)‏ جَمْعُ قَرْنٍ ‏,‏ وَهُوَ الرَّوَقُ مِنْ الْحَيَوَانِ ‏,‏ وَمَوْضِعُهُ مِنْ رَأْسِنَا الْجَانِبُ الْأَعْلَى مِنْ الرَّأْسِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ قَطْعُ ‏(‏الْآذَانِ‏)‏ جَمْعُ أُذْنٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا مُؤَنَّثَةُ الْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ ‏(‏وَ‏)‏ يُكْرَهُ ‏(‏شَقُّهَا‏)‏ أَيْ الْآذَانِ ‏(‏بِلَا ضَرَرٍ‏)‏ يُحْوِجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَاعْوِجَاجِ قَرْنِ الدَّابَّةِ عَلَى عَيْنِهَا بِحَيْثُ يَخَافُ الضَّرَرَ عَلَى عَيْنِهَا مِنْهُ ‏,‏ وَكَوْنِ الْأُذُنِ فِي طَرَفِهَا جُرْحٌ مُدَوِّدٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ ‏,‏ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يَدْعُو إلَى الْقَطْعِ وَالشَّقِّ فَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَلَمِ وَلِأَنَّهُ ‏(‏تَغْيِيرُ خَلْقٍ مُعَوَّدِ‏)‏ أَيْ مُعْتَادٍ أَيْ تَغْيِيرُ الْخَلْقِ الْمُعْتَادِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الصُّورَةِ ‏,‏ وَالْهَيْئَةِ الَّتِي خَلَقَهُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَيْهَا وَتَشْوِيهُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ‏.‏

وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ فِي قوله تعالى حِكَايَةٍ عَنْ إبْلِيسَ ‏{‏وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ‏}‏ أَيْ يَقْطَعُونَهَا وَيَشُقُّونَهَا ‏,‏ وَهِيَ الْبَحِيرَةُ انْتَهَى ‏.‏

يُقَالُ‏:‏ بَحَرْت أُذُنَ النَّاقَةِ بَحْرًا إذَا شَقَقْتهَا وَخَرَقْتهَا ‏,‏ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ‏}‏ بِالْخِصَاءِ ‏,‏ وَالْوَسْمِ وَقَطْعِ الْآذَانِ ‏.‏

 مطلب يُكْرَهُ تَعْلِيقُ جَرَسٍ أَوْ قِلَادَةٍ عَلَى الدَّابَّةِ وَيُحَرَّمُ لَعْنُهَا

‏(‏تَتِمَّةٌ‏)‏ يُكْرَهُ تَعْلِيقُ جَرَسٍ عَلَى الدَّابَّةِ وَوَتَرٍ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ‏.‏

فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ وَعَنْهُ أَيْضًا عِنْدَهُ الْجَرَسُ مِنْ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ ‏.‏

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ رَسُولًا لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ إلَّا قُطِعَتْ ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ ‏;‏ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْعَيْنَ ‏.‏

وَيُحَرَّمُ لَعْنُ الدَّابَّةِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ‏:‏ قَالَ الصَّالِحُونَ‏:‏ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ شَتَمَ دَابَّةً‏:‏ قَالَ الصَّالِحُونَ‏:‏ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ هَذِهِ عَادَتُهُ ‏.‏

وَرَوَى هُوَ وَمُسْلِمٌ عَنْ عِمْرَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ فَلَعَنَتْ امْرَأَةٌ نَاقَةً فَقَالَ‏:‏ خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا مَكَانَهَا مَلْعُونَةً ‏,‏ فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ ‏.‏

وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ ‏.‏

 مطلب‏:‏ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْحَيَوَانِ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ

وَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِالْحَيَوَانِ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ كَالْبَقَرِ لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ ‏,‏ وَالْإِبِلِ ‏,‏ وَالْحُمُرِ لِلْحَرْثِ كَمَا فِي الْفُرُوعِ وَعَزَاهُ لِلْمُوَفَّقِ قَالَ‏:‏ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمِلْكِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِيمَا يُمْكِنُ ‏,‏ وَهَذَا مُمْكِنٌ كَاَلَّذِي خُلِقَ لَهُ وَجَرَتْ بِهِ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ ‏;‏ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَكْلُ الْخَيْلِ وَاسْتِعْمَالُ اللُّؤْلُؤِ فِي الْأَدْوِيَةِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا ذَلِكَ ‏.‏

وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم‏:‏ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَهَا قَالَتْ‏:‏ إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِذَلِكَ إنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ أَنَّهُ مُعْظَمُ النَّفْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ غَيْرِهِ ‏.‏

 مطلب فِي إنْزَاءِ الْخَيْلِ عَلَى الْحُمُرِ وَالْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ

‏(‏تَنْبِيهٌ‏)‏‏:‏ إنْزَاءُ الْخَيْلِ عَلَى الْحُمُرِ ‏,‏ وَالْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ كَرِهَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ السُّنَنِ ‏,‏ وَهُوَ أَحَدُ رُوَاةِ الْإِمَامِ وَنَقَلَةِ الْمَذْهَبِ ‏,‏ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَجْدُ فِي مُنْتَقَى الْأَحْكَامِ ‏,‏ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدًا مَأْمُورًا مَا اخْتَصَّنَا بِشَيْءٍ دُونَ النَّاسِ إلَّا بِثَلَاثٍ‏:‏ أَمَرَنَا أَنْ نَسْبُغُ الْوُضُوءَ ‏,‏ وَأَنْ لَا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ ‏,‏ وَأَنْ لَا نُنَزِّيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَغْلَةٌ فَقُلْنَا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنْزَيْنَا الْحُمُرَ عَلَى خَيْلِنَا فَجَاءَتْنَا بِمِثْلِ هَذِهِ فَقَالَ‏:‏ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ قَالَ فِي الْآدَابِ‏:‏ وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ هَلْ يَكُونُ مَذْهَبًا لَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ نَصًّا بِخِلَافِهَا ‏,‏ وَقَدْ حَكَى عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ‏:‏ وَزَعْمُ اخْتِصَاصِ بَنِي هَاشِمٍ بِالنَّهْيِ غَيْرُ نَاهِضٍ يُعَضِّدُهُ عَدَمُ الْقَائِلِ بِالْخُصُوصِيَّةِ ‏,‏ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ ‏,‏ وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي اقْتِنَائِهَا الثَّوَابُ الْجَزِيلُ ‏,‏ وَلَحْمُهَا مَأْكُولٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ ‏,‏ فَالْعُدُولُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ ‏,‏ وَالْفَضَائِلِ مَعَ عَدَمِ التَّنَاسُلِ وَالنَّمَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا ‏,‏ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا كَرَاهَةَ فِي إنْزَاءِ الْخَيْلِ عَلَى الْحُمُرِ وَعَكْسِهِ ‏,‏ وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ ‏,‏ وَقَالَ عَنْ إنْزَاءِ الْخَيْلِ عَلَى الْحُمُرِ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ مُتَأَوِّلٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ صِيَانَةُ الْخَيْلِ ‏,‏ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ

وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً‏}‏ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ عَلَى إبَاحَةِ إيجَادِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ‏.‏

وَمِنْ الْمُتَوَاتِرِ رُكُوبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَغْلَةً وَاقْتِنَاؤُهَا ‏,‏ فَدَلَّ عَلَى إبَاحَةِ السَّبَبِ ‏.‏

وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

‏(‏فَائِدَةٌ‏)‏ أَوَّلُ مَنْ أَنْتَجَ الْبِغَالَ قَارُونُ وَقِيلَ أَفْرِيدُونُ قَالَ عَلِيٌّ دَدَهْ فِي أَوَائِلِهِ ‏,‏ وَهُوَ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏